ذكرى إضراب أطباء السودان أكتوبر 2016

ذكرى إضراب أطباء السودان أكتوبر 2016

ذكرى #إضرابنا_عشانك_يا_مواطن

 

تمر علينا هذه الأيام وتتجدد الذكرى السادسة لإضراب أطباء السودان في أكتوبر من العام 2016م والذي يعد أكبر إضراب مطلبي من حيث التنفيذ والشمول في تاريخ السودان الحديث والذي رفع شعارات ومطالب بعدد من المطالب، وقد بدأ الإعداد لهذا الاضراب منذ يناير وكان الوصول إليه في أكتوبر من العام 2016م، وقد قامت لجنة أطباء السودان المركزية بتنظيم وقيادة هذا الإضراب وإنتهى الأمر باعتقال قيادتها في العاصمة والولايات من قبل أمن النظام آنذاك ولم ترى أغلب مطالبها النور حتى يومنا هذا.

تتعدد الجوانب التي يمكن أن نرى من خلالها تلك التجربة، وفيما يلي استعراض سريع لأبرز الجوانب.

 

أولاً: 

 1. المطالب والوصول للإضراب وأبرز نتائجه:

جاءت لجنة أطباء السودان المركزية نتيجة لمجهودات أطباء مقدرة ومتواترة في مختلف ولايات السودان وأبرزها ما تحقق في ولاية الجزيرة بواسطة لجان الأطباء في كل من ود مدني والحصاحيصا في 2015م والذي كان الدافع الأكبر لتكوين كيان قومي يُنظّم الأطباء ويحمل همومهم.

تكونت لجنة أطباء السودان المركزية عقب وقفة احتجاجية للأطباء بالمجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية حول تحسين شروط وعقودات التدريب في يناير من العام 2016م، وفور تكوينها عكفت على كتابة قائمة بالقضايا والتحديات الأساسية التي تواجه الأطباء وانتهت العملية بصياغة مذكرة تفصيلية مسنودة بالدوافع والأسباب (القانونية والمهنية) خلف كل مطلب.

انحصرت المطالب في تحسين بيئة العمل وتوفير المعينات من أجهزة طبية ومستهلكات والتي كانت ترى اللجنة أنها أحد الأسباب التي تقف خلف حوادث الاعتداءات المتكررة بالإضافة إلى التحريض المستمر من بعض الصحف الصفراء المحسوبة على النظام ومحاولتها تحميل مسئولية القصور وضعف النظام الصحي للأطباء بدلاً عن المسئولين التنفيذيين المباشرين، كان المطلب الثاني هو مراجعة عقودات التدريب وتحسين شروط التدريب ورفع جودته بدلاً عن عقودات الإذعان المطروحة في ذلك الوقت والتي تخالف حتى قوانين المجلس القومي للتدريب فيما يخص الابتعاث الداخلي، والمطلب الثالث والذي أُضيف لاحقاً هو سن قانون لحماية الأطباء والكوادر الطبية الأخرى أسوةً بتجارب دول أخرى ولأن تحسين بيئة العمل وحدها لا يكفي إذ ظلت غالبية الاعتداءات تصدر من منسوبي القوات النظامية والمسلحة والذين لا يحترمون القوانين وينتهكونها وهم الجهة المناط بها تنفيذ القانون والحفاظ عليه وضمان سيادته.

عند الوصول للإضراب العام في أكتوبر كان تقديم مطالب المرضى والمتمثلة في العلاج المجاني في أول 24 ساعة للحالات الطارئة والأطفال دون الخامسة، وجدت المطالب اعتراف كبير بعدالتها ومشروعيتها حتى من المسئولين الحكوميين في فترة النظام المباد، واتسعت دائرة دعم الاضراب لتشمل قطاعات أوسع من المهنيين والقوى المدنية والشعبية.

 2. التنظيم:

كانت قناعتنا في اللجنة أن التنظيم أرقى فنون الوعي وهو الطريق المعبد للوصول إلى تحقيق الغايات، فكان الاهتمام بتنظيم الأطباء في أماكن عملها في لجان تتولى مهام الدفاع عن الأطباء في المكان المحدد وتزيد من التمدد والتشبيك الأفقي للجنة، وقد ولعبت وسائط التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتس أب، تويتر) دوراً كبيراً في تذليل صعوبات التنظيم مختلف المستشفيات بالعاصمة والولايات، بالإضافة للطواف الميداني لعدد من مدن السودان التي تضم عدد كبير من الأطباء وتم تبصيرهم بالخطوات التي تجري والمذكرة والمطالب التي تحويها، وكان التفاعل المستمر مع قضايا الأطباء المتنوعة من أبرز الوسائل للحفاظ على التنظيم وتفويته.

تميزت تجربة اللجنة بالاهتمام البالغ بعملية التنظيم والتشبيك داخل قطاع الأطباء وخارجه بصورة مرنة اتاحت الانتقال من حالة إلى حالة مغايرة تصب في مصلحة استمرار الحراك وتطوره.

 3. نتائج إضراب 

لم يحقق الإضراب النتائج المرجوة نتيجة لنكوص النظام المباد عن الالتزامات التي قطعها ووعد بتنفيذها، وقام بمعاقبة عدد كبير من الأطباء والطبيبات الذي أضربوا عن العمل وفي مقدمتهم أطباء الخدمة الوطنية، وأعتقل قادة الإضراب في العاصمة والولايات، وضيق على الأطباء المتدربين عن طريق مركز الخرطوم للتدريب لمعاقبتهم على الإضراب.

واجه أعضاء المكتب التنفيذي للجنة بلاغات في نيابة أمن الدولة في مطلع العام 2017م تم تدوينها من قبل اتحاد الأطباء الذي يعتبر أحد واجهات النظام ولا يعبر عن الأطباء تتعلق بتقويض النظام الدستوري وتهديد الأمن الصحي، وهو ما ولّد قناعات مهمة عند طيف واسع من الأطباء بأن أزمة الصحة وقضايا الأطباء مرتبطة بسياسة النظام إتجاه الصحة والتي تتقاطع مع الحقوق بصورة عامة، وفي ذات الوقت عززت القناعة عند عدد كبير من السودانيين والسودانيات بأن هذا النظام سيذهب عبر العمل الجاد، وأن الطريق نحو سقوطه يمضي عبر المقاومة السلمية والتنظيم الجيد والصبر حتى تمام الوصول.

 

ثانياً: خطوات لاحقة للإضراب

 1. تجمع المهنيين السودانيين وقيادة الثورة:

بدأت اللجنة في عملية التشبيك مع أجسام في قطاعات أخرى وهم التحالف الديمقراطي للمحامين وشبكة الصحفيين السودانيين، واللذان لعبا أدوار مهمة في دعم اللجنة إبان الإضراب عبر الدفاع عن الأطباء قانونياً وتغطية الإضراب ونشر مطالبه عبر أوسع نطاق.

رأت اللجنة ضرورة العودة مجدداً للمطالبة بالحقوق ولكن عبر تحالف أكبر يضم أجسام مهنية أخرى فكان تأسيس تجمع المهنيين، وعقدت الورش لوضع الخطة الاستراتيجية وبرنامج العمل واستمر العمل حتى 2018م فكان الظهور عبر مذكرة الأجور ومن ثم تحول المطالب اتساقاً مع مطالب الشارع وتنظيماً لقواه الحية في تحالف واحد يضمن اسقاط نظام الإنقاذ، ويضع أساساً لحد أدنى من الاتفاق حول الرؤى والبرامج، فتحولت هزيمة النظام المباد لأحلام الأطباء في 2016م إلى انتصار جموع الشعب السوداني وفي طليعتهم الأطباء في العام 2018م

 2. المكتب الموحد للأطباء:

بعد اندلاع الثورة وفي 30 ديسمبر 2019م قامت اللجنة مع أجسام الأطباء الأخرى (نقابة أطباء السودان الشرعية ولجنة الاستشاريين والاختصاصيين) بتشكيل المكتب الموحد والذي يعد أحد ضمانات وحدة الأطباء حول القضايا والموضوعات وهو يمضي بخطى حثيثة نحو الوصول إلى نقابة أطباء السودان.

 3. التقارير الميدانية والرصد:

نشطت اللجنة في عمل التقارير حول الأوبئة التي كانت تضرب البلاد وتنكرها السلطات الحكومية منذ العام 2016م وبعد اندلاع الثورة عملت على توثيق شهداء الثورة ومصابيها عن تقارير تفصيلية تمثل ذاكرة البطولات والتضحيات والبسالة من أجل القيم السامية، والعدالة في حقهم وتحقيق أحلامهم أبرز مطلوبات مهام رفاقهم ورفيقاتهم، حتى أصبحت مصدراً موثوقاً تعمل بمهنية ومصداقية عالية داخل وخارج السودان وهذا مجهود يحسب لعدد كبير من الأطباء يعملون بتجرد وتفاني لسنوات دون كلل أو ملل.

 

ختاماً:

حققت اللجنة الكثير خلال مسيرتها ونجحت في الكثير من التحديات والتي أبرزها الاستمرارية، واخفقت في جوانب أخرى وبعد كل خطأ أو هفوة تسعى لتصحيح أخطائها، وهي رقم مهم في عالم المقاومة للظلم والاستبداد والمهنية والدقة في مجال الرصد والتفاعل مع القضايا المهمة ورائدة في مجال تعزيز ثقافة الحقوق وسط الأطباء والمهنيين الآخرين، أتفق معها الكثيرين واختلف معها آخرون.

سنواصل العمل مع الأطباء والطبيبات ومع الثوار والثائرات حتى تحقيق الغايات وانتصار الثورة التي تنادي بالحرية والسلام والعدالة وتأسيس سودان المواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة.